من وحي آيتي القصاص
صفحة 32 من الجزء الثاني من تفسير التأملات
لفضيلة الشيخ محمد أبو علو
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
( يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( 178 ) ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (179)
" وهنا يعرض لنا سؤال مكون من عدة فقرات قد استوحيناه من آية القصاص هذه لعل من شأنه أن يلقي مزيدا من الإيضاح والضوء على موضوعها هو ماذا يكون الحكم لو كان القاتل حرا والقتيل عبدا أو أنثى أو كان القاتل عبدا والقتيل حرا أو أنثى أو كان القاتل أنثى والقتيل حرا أو عبدا أو كان القاتل أكثر من واحد والقتيل واحد فقط أو كان القاتل واحدا والقتلى جميعا.
والذي نراه جوابا على هذا السؤال المتشعب الجوانب أن الأخذ بالدية هنا أمر توجبه الضرورة على الأقل لإيجاد التوازن وسد الثغرات بين حر وعبد وأنثى على ما يقتضيه فصل الآية وكذا بين فرد وجماعة بعضهم قتلة وبعضهم مقتول مع ما نعلمه من أن الدية على العاقلة إن وجدت وهم العصبة من ذوي القرابة في النسب سواء للقاتل أو القتلة يحملونها عنهم أو معهم على أساس التكافل والتضامن المفروض من قيامه بينهم بحكم دينهم عليهم.
ومع أخذنا في الاعتبار خبر الله لنا عن بني إسرائيل في سورة المائدة من قرآننا من أنه كتب عليهم في توراته المنزلة منه عليهم أن النفس دون فرق ولا زيادة تميز نفسا عن نفس ومع استحضارنا لمعنى قول الله لنا " في سورة الإسراء ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) ومعناه أن الله وإن أعطى الحق لولي المقتول ظلما في أن يتمسك بحقه في القصاص من قاتل وليه فإنه ينهاه عن أن ينتج عن تمسكه بحقه ذاك مزيد من القتل وسفك الدم كأن يكون قتيله واحدا وقتلته عشرة فيأبى إلا قتلهم جمعا به مع ذلك أن من حقه دينا شرعا.